تخيل مديرًا في العمل يضغط على موظفيه، يهينهم أحيانًا، ويضغط عليهم
نفسيًا، ثم يذهب إلى منزله وهو مقتنع تمامًا أنه يقوم بواجبه كقائد ناجح. أو أبًا يعاقب
أبناءه بصرامة ظنًّا منه أنه يحميهم من الانحراف. هذا يقودنا لسؤال خطير: هل يمكن أن
يكون الإنسان شريرًا... دون أن يعلم؟
النية والسلوك: بين الذات والواقع
النية لا تكفي دائمًا. كثير من الناس يرتكبون أفعالًا مؤذية معتقدين
أنهم يفعلون الخير. هذا ما يُعرف بالتنافر المعرفي، حيث يبرر الإنسان لنفسه كل ما يفعله
حتى لو كان مضرًا بالآخرين. العقل بارع في اختراع الأعذار وتبرير الأخطاء، خاصة إذا
كان الشخص يرى نفسه على حق دائمًا.
الشر: رؤية فلسفية أعمق
هل الإنسان شرير بطبعه؟ توماس هوبز يرى أن الإنسان أناني وعدواني
بطبيعته، بينما جان جاك روسو يعتقد أن الإنسان يولد طيبًا والمجتمع هو من يفسده. بين
هذين الرأيين، نجد مفكرين مثل نيتشه وديستويفسكي يطرحون رؤى أكثر تعقيدًا عن الشر،
كحالة داخلية تتشكل من الضعف، أو القمع، أو حتى النية الطيبة التي تخرج عن السيطرة.
تجربة ميلغرام: الطاعة تصنع الوحوش؟
في تجربة صادمة أجراها عالم النفس ستانلي ميلغرام عام 1963، طُلب
من المشاركين إعطاء صدمات كهربائية لأشخاص آخرين عندما يخطئون بالإجابات، بناءً على
أوامر من شخص بسلطة. أكثر من 65% استمروا بإعطاء الصدمات حتى مستويات خطيرة، رغم سماعهم
صراخ الضحايا (الذي كان تمثيليًا). هذه التجربة كشفت كيف أن الطاعة قد تجعل الإنسان
يرتكب أفعالًا شريرة دون أن يشعر بالذنب، فقط لأنه 'ينفذ الأوامر'.
تجربة "تأثير المتفرج": شر بالصمت
في حالات الطوارئ، كثير من الناس لا يتدخلون لأنهم يفترضون أن غيرهم
سيتصرف. هذه الظاهرة تسمى تأثير المتفرج، وقد تم توثيقها في حادثة 'كيتي جينوفيز' الشهيرة،
حيث طُعنت فتاة في نيويورك عام 1964 أمام العشرات، دون أن يتدخل أحد. لم يكن الحضور
أشرارًا... لكن صمتهم كان شرًا غير مباشر.
دراسة من هارفارد: حين تؤذيك الطيبة
وجدت دراسة من جامعة هارفارد أن الأشخاص الذين يسعون دائمًا لإرضاء
الجميع يعانون من إرهاق ذهني وتوتر دائم، وغالبًا ما يُستغلون من الآخرين. الطيبة هنا
تتحول من فضيلة إلى نقطة ضعف، وقد تساهم في قرارات خاطئة أو تساهل مع من لا يستحق.
في عام 1971، أجريت تجربة مشهورة في جامعة ستانفورد تبيّن كيف أن الأشخاص العاديين يمكن أن يتحولوا إلى جلادين "
"فقط لأنهم أعطوا سلطة. التجربة أظهرت أن البيئة يمكن أن تستخرج الجانب المظلم في النفس البشرية."
الشر في الحياة اليومية
- أم تدافع عن ابنها مهما أخطأ، ظنًا منها أنها تحميه، لكنها بذلك
تزرع فيه الفساد.
- شخص يفشي أسرار الآخرين لأنه يعتقد أنه ينبههم على خطر، لكنه يدمر ثقة الناس به.
- ناشط يهاجم الآخرين عبر الإنترنت باسم “العدالة”، فيتحول إلى متنمر دون أن يشعر.
بلغة محمد
مش كل شخص يؤذيك يقصد يأذيك، ومش كل طيب فعلاً طيب.
فيه ناس تفكر نفسها منقذة البشرية وهي تخربها من تحت لتحت.
الشر مش دايم يكون سكين بيد قاتل... أحيانًا يكون كلمة باردة، أو تصرف غير محسوب، أو
طيبة زايدة في غير محلها.
فكر في نفسك، في نيتك، وفي نتائج أفعالك، لأن أسوأ أنواع الشر... هو الشر اللي صاحبه
يعتقد إنه ملاك.
0تعليقات